كرة القدم الدولية في مفترق طرق انتصارات تاريخية، أجيال صاعدة، وصراعات قارية تُشكل ملامح البطولات المقبلة
في عالم كرة القدم الذي لا يهدأ، لا تكف الأخبار عن التدفق بشأن المنتخبات الوطنية، تلك الكيانات التي تجمع بين الهوية والطموح والشغف الجامح. تمر الساحة الدولية بفترة تحول استثنائية، حيث تتهيأ الأرضية لبطولات كبرى قادمة مثل كأس العالم 2026 وكأس أمم أوروبا 2024، وسط أداء مبهر لمنتخبات صاعدة، وصراع على العرش بين القوى التقليدية، ومفاجآت غير متوقعة تعيد رسم الخرائط الكروية المعتادة.
عودة العملاق البرازيل وإسبانيا يستعيدان بريقهما في تصفيات كأس العالم
بعد فترة من التردد وعدم الاستقرار النتائجي، بدأت قوتان عريقتان في استعادة مكانتهما الطبيعي على الساحة الدولية.
البرازيل نهضة تحت قيادة دوريفال جونيور
شهدت "السيلساو" فترة عصيبة بعد خيبة الأمل في مونديال قطر 2022 والإخفاق في التصفيات المؤهلة لكوبا أمريكا، مما أدى إلى تغيير مدرب المنتخب. تحت قيادة المدرب الجديد دوريفال جونيور، يبدو أن البرازيل قد وجدت طريقها مرة أخرى.
اعتمد جونيور على مزيج من الخبرة، مثل النجمين كاسيميرو و ماركينيوس، والمواهب الشابة الواعدة التي تفيض بها البلاد، أبرزهم إندريك، المهاجم الصاعد من نادي بالميراس.
النتائج كانت مقنعة، حيث عاد الفريق للتسجيل بكثرة وإظهار كرة هجومية مبهرة تذكرنا بالبرازيل الكلاسيكية. التركيز الآن هو على بناء فريق متماسك قادر على المنافسة على لقب سادس في كأس العالم 2026، مع حل إشكالية الاعتماد المفرط على نيمار جونيور في السنوات السابقة.
إسبانيا ثورة شابة بقيادة دي لا فوينتي
من جانبها، تعافت إسبانيا من خيبة أملها في مونديال قطر (حيث خرجت من دور الـ16 أمام المغرب) بطريقة مثيرة للإعجاب. المدرب لويس إنريكي قدم استقالته، وحل محله لويس دي لا فوينتي، الذي كان مدربًا للفئات السنية ومنخرطًا تمامًا في ثروات الكرة الإسبانية الشابة.
قام دي لا فوينتي بإدخال دماء جديدة وشجاعة إلى الفريق الأول، معتمدا على نجوم صاعدين مثل غافي و بيدري و يامال (الفتى المعجزة من برشلونة والذي أصبح أصغر لاعب وهداف في تاريخ La Roja). هذا المزيج من حكمة لاعبين مثل * رودري* و كارفاخال وطاقة الشباب جعل من إسبانيا فريقًا ساحرًا مرة أخرى، حيث تتصدر مجموعتها في التصفيات الأوروبية وتظهر كأحد المرشحين الأقوى للقب في يورو 2024، معادلةً النجاح التقني بالنتائج الفعالة.
مفاجآت القارة العجوز صعود منتخبات تحت التهديف وإخفاق عمالقة تقليديين
لم تكن طريق التأهل لبطولة أمم أوروبا 2024 في ألمانيا مفروشة بالورود للجميع. بينما سارت بعض المنتخبات الكبرى في طريقها المتوقع، شهدنا صعودًا مذهلاً لفرق "تحت التهديف" وأزمة غير مسبوقة لآخرين.
الفريق المظلم الذي لم يعد مظلمًا
بقيادة المدرب الإيطالي ماركو روسي، أصبح المنتخب المجري قوة لا يستهان بها على الإطلاق. يعتمد الفريق على مجموعة متماسكة من اللاعبين الموهوبين، بقيادة كابتن الفريق دومينيك سوبوسلاي (ليفربول) الذي يقدم مستويات عالمية. تمكنت المجر من الصدارة مجموعة تصفيات صعبة تضمنت منتخبًا مثل صربيا، دون أن تهزم في أي مباراة.
أسلوبهم المنظم هجوميًا والصلب دفاعيًا يجعلهم الخصم الذي لا يرغب أي فريق في مواجهته في يورو 2024، وربما قادرًا على مفاجأة الجميع والتألق بعمق في البطولة.
ألمانيا أزمة هوية ونتائج كارثية
على الجانب الآخر من الطيف، يمر المنتخب الألماني، البطل العالمي أربع مرات، بأسوأ فترة في تاريخه الحديث. الخروج من دور المجموعات في مونديالين متتاليين كان بمثابة صدمة، لكن الأداء الذي يليهما كان أكثر إثارة للقلق.
سلسلة من الخسائر والدورات الودية المخيبة للآمال (بما في ذلك هزائم أمام اليابان وتركيا وكولومبيا) كشفت عن أزمة عميقة في الفريق. التعيين الجديد للمدرب يوليان ناغلسمان يأتي على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل استضافة يورو 2024.
التحديات كبيرة إيجاد تشكيلة ثابتة، وإصلاح الدفاع الهش، وإعادة إشعال الشغب الهجومي الضغط على ناغلسمان ولاعبيه هائل، والمخاوف من خروج مبكر آخر في بطولة على أرضهم أصبحت حقيقية للغاية.
مشهد عالمي متغير هيمنة عربية ومستقبل واعد في أمريكا الجنوبية
لا تقتصر الأخبار المثيرة على أوروبا فقط، فالقارات الأخرى تشهد تحولات جيوسياسية كروية هي الأبرز منذ سنوات.
الصعود العربي المغرب يثبت أنه ليس صدفة والمملكة العربية السعودية تستعد لـ 2030
بعد الأداء التاريخي للمنتخب المغربي في مونديال قطر (الوصول إلى نصف النهائي كأول فريق عربي وأفريقي يحقق هذا الإنجاز)، واصل "الأسود الأطلس" تألقه. تحت قيادة واليد الركراكي، يحافظ الفريق على تماسكه الدفاعي الأسطوري ويبني هجمات خطيرة بقيادة أشرف حكيمي و حكيم زياش و يوسف النصيري. تصدرهم لمجموعتهم في تصفيات كأس العالم، متقدمين على منتخبات قوية مثل كوت ديفوار، يثبت أن رحلة قطر 2022 لم تكن صدفة، بل تأسيس لعصر جديد للكرة العربية.
بالمقابل، تستعد المملكة العربية السعودية، بخطة رؤية 2030، لاستضافة كأس العالم 2030 بشكل مشترك. الاستثمار الهائل في الدوري المحلي بجلب نجوم عالمية ومدربين مرموقين يهدف إلى رفع مستوى المنتخب الوطني، الذي بدأنا نرى تحسنًا ملحوظًا في أدائه وتقنيته تحت قيادة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني.
الأوروغواي الجيل الذهبي الجديد تحت قيادة بييلسا
في أمريكا الجنوبية، بينما البرازيل والأرجنتين تحت الأضواء، يبني المنتخب الأوروغواياني quietly فريقًا مرعبًا. بقيادة المدرب المجنون مارسيلو بييلسا، تبنى "السيليستي" أسلوبًا ضاغطًا وهجوميًا جامحًا. يعتمد الفريق على مزيج من القادة المخضرمين مثل فالديفير و خوسيه ماريا خيمينيز، ونجوم العالم مثل فيدريكو فالفيردي (ريال مدريد) و داروين نونيز (ليفربول) و رونالد أراوخو (برشلونة). هذا الجيل الذهبي الجديد، المقترن بفلسفة بييلسا التكتيكية الثورية، يجعل الأوروغواي المرشح الأقوى لتحدي هيمنة الأرجنتين والبرازيل في القارة وفي كأس العالم القادم.
خاتمة مشهد كرة القدم الدولية أكثر إثارة وتنافسية من أي وقت مضى. لم تعد الهيمنة حكرًا على عدد قليل من المنتخبات، حيث تظهر قوى جديدة وتعيد القوى العريقة اختراع نفسها. الأخبار الحالية ترسم صورة لمستقبلٍ تكون فيه المفاجآت هي القاعدة، والبطولات مفتوحة على جميع الاحتمالات، مما يعد الجماهير حول العالم بمشاهدة كرة قدم استثنائية في السنوات القليلة المقبلة
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق
شكراً لك على تعليق